المرشد الأمين
أحمد
شافعي
في
رباعية من جواهره، دعا "صلاح جاهين" الثورَ إلى أن يزيل عن عينيه
الغمامة، ويتوقف عن الدوران، ويبصق على الساقية وربما على من ربطه إليها، لكن
الثور، في ظل عماه القسري، يرفض النصيحة، ويقول لناصحه إن الأمر لا يعدو خطوة
أخرى، بعدها ينتهي الطريق أو تجف البئر. حيوان! هذا حيوان! وما يجعله حيوانا،
ومثيرا حتى لشفقة أمثالنا، ليس سوى ذلك الشيء الذي نعرفه بالـ أمل.
وماذا عن
البغل؟ وماذا عن الجزرة؟ البغل في الحقيقة مشكلته أعوص من مشكلة الثور. فالثور
فيما هو واضح يتعلق بأمل مجرد، فيه مسحة فلسفية بعض الشيء: أن ينتهي الطريق أو تجف
البئر. أما البغل فتسوقه الغريزة، هناك جزرة يا كفرة معلقة بين السماء والأرض، ليس
بينه وبينها غير خطوة لا يتوقف عن أن يخطوها، ولا جدوى.
في مثل وضع
البغل هذا بالضبط توجد أسطورة، أي شيء في منتهى الأهمية، عن تنتالوس، المحبوس واقفا
في بحيرة عاقبته الآلهة بأن جعلت ماءها يعلو حتى إذا قارب شفتيه فانحني يريد أن
يروي ظمأه انحسر الماء. لا الماء يتوقف عن الانحسار ولا البغل يتوقف عن الانحناء. وهناك
أسطورة أخرى عن ثمار تتدلى لجائع ثم ترتفع فلا تطالها يده.
كل هذه حيوانات
مسكينة تفضي بنا إلى الغاية القصوى من كل هذا: أنا.
أنا سألت
نفسي قبل أيام: كيف أعلم أدهم، ابني، ألا يبكي عند فشله، أو نجاحي، في تجميع صف من
أربع قطع متجاورة في لعبة كونيكت فور؟ أربع قطع متجاورة، نهاية الطريق، الجزرة،
رشفة الماء، جفاف البئر.
ولم يكن
سؤالي هذا سؤال الجاهل، حاشاي. لقد كنت أعرف الطريقة المثلى، ولكنها بدت لي غير
ملائمة من الناحية الـ ـ لا مؤاخذة في الكلمة ـ تربوية:
أدهم،
عليك ألا ترغب أصلا في أن تفوز. العب للمتعة، للتنغيص على المنافس. تخلَّ تماما
ونهائيا عن الاعتقاد بأن هناك انتصارا يمكن تحقيقه.
بهذه
الطريقة ـ المثلى ـ لا أعتقد أنه سيبكي لفشله، أو لنجاحي، أو لموتي حتى في آخر
الزمان على ما أرجو.
ولكن هذه
النصيحة إن هو اتخذها ـ بإذن الله ـ نبراسا هاديا في حياته، ستخلق منه إنسانا
عدميا، لا مباليا، وبالتالي سيكون مواطنا رديئا، معطوبا، على المجتمع والدولة
والإنسانية أن تعزله عنها. ولو أنني أستبعد هذا. أستبعد أن تحقق الإنسانية هذا
الانتصار عليه. لماذا؟ لأني إذا علمته الدرس الأول، فعليّ أن أعلمه الثاني، أن
أنتقل به خطوة أخرى إلى أعلى، أن أرتقي به من مجرد عدم الرغبة في الفوز، إلى عدم
المشاركة في اللعبة من الأساس.
لأنك في
الحقيقة لا تستطيع أن تهزم شخصا ما لم يقبل الدخول في المعركة، ما لم يقابل التحدي
بتحد. ليس سهلا، وجربوا، أن تعزلوا شخصا هو من الأساس معزول.
هذه
ببساطة هي الخطوات التي ينبغي أن يخطوها كل من لا يريد أن يكون بغلا:
1 ـ لا
ترغب في الفوز، إن لعبت، والأحسن:
2 ـ لا
تشارك في اللعبة، واعلم
3 ـ أن المنتصر
يشقى ليحافظ على انتصاره، وأن المهزوم يشقى استعدادا للثأر.
ولكن هل
سيجلس الولد هكذا ويكتفي بالفرجة، مكتوما كتمة رئيس مؤقت، أو مسعورا سعار رئيس لم
يعد يستطيع أن يتكلم من دون ميكروفون؟
الإجابة
على هذا السؤال موجودة في قصيدة قديمة لي، ومن المنتظر أن يقرأها أدهم، ولو من باب
بر الوالدين:
أنت
أستاذ كل الذين يجلسون في ركن.
اجلس.
اجلس
ودخن
نشرت هنا اليوم ضمن ملف لأخبار الأدب عن الإحباط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق