أصبحت حواضر العالم ـ
من "لا باز" إلى نيويورك إلى أثينا ـ معاقل للغضب والنضال من أجل العدل
الاجتماعي. في كتابه الجديد "مدن ثائرة" يضع عالم الحغرافيا الماركسي
ديفيد هارفي أطرا لهذه الانتفاضات بوصفها تأكيدا لحقوق الشعوب في المدن ضد
انتهاكات النظم الرأسمالية النيولبرالية ـ ضد الإيجارات المرتفعة بسرعة الصاروخ، وضد
سياسات التقشف التي تنال من الخدمات العامة، وغيرها. هذا حوار مع الماركسي
البريطاني أجراه محرر الموقع الإلكتروني لبوسطن جلوب ونشر مؤخرا بمناسبة الاحتفال
بعيد العمال، فيه يؤكد هارفي أن جبابرة رأس المال ما هم في حقيقتهم إلا في هشاشة
الفراشات
ديفيد
هارفي: نناضل حيث تحط الفراشات
حاوره: ديفيد جيه
جونسن
بوسطن جلوب: تبدأ
الكتابَ بمناقشة نظرية "الحق في المدينة[i]"
التي قال بها عالم الاجتماع الفرنسي هنري ليفيبفر، والتي ترى أن لنا جميعا الحق في
أن نعيش في المدينة ونصوغ تطورها. لماذا التفكير في المدينة من حيث الحقوق أصلا؟
ديفيد هارفي: بداية، هناك قضية الحق في استعمال جميع الموارد التي تشكل ـ في
حال جمعها معا ـ البيئة المدينية، وهي اجتماعية وسياسية بقدر ما هي فيزيقية
ملموسة. هناك إذن سؤال عمن يمتلك الاستعمال وعما إذا كنا جميا متساوين في حقوق
الاستعمال. ثم إن هناك ايضا سؤال إقامة المدينة ـ وهو السؤال الأكثر إثارة بالنسبة
لي ـ أي مَن الذي له سلطة إعادة إقامة المدن بصورة مختلفة ووفقا لصورة مَن تعاد
إقامتها. سؤال الحقوق أيضا يتعلق بهذا أيضا: "لمن الحق في النضال حول نوع
المدينة التي نريد أن نقيمها؟". وذلك لأن السؤال عن نوع المدينة التي نريد
إقامتها يحدد أي نوع من الناس نريد لأنفسنا أن نكون.
ـ تذهب في كتابك إلى
أننا بحاجة إلى أشكال جديدة من التمدن urbanization إن كنا مهتمين باتباع بديل مناهض للرأسمالية. هل هناك أية مدن تعد
أمثلة على ما في ذهنك؟
ـ حسن، في الوقت الراهن ليست لدينا أية
مدن تقع خارج الرأسمالية بحيث يمكن لنا فعليا أن ننظر إليها نظرة فعالة. يمكننا أن
نرى أشياء تحدث في مدن فيها حالة من مناهضة الرأسمالية، يمكننا أن نرى محاولة لتحقيق
حياة جمعية، نوعا أكثر ديمومة من الحياة البيئية والسياسية. ولكن هل بوسعك أن تقول
إن هناك مدينة في ذاتها قد خرجت بأجندة مناهضة للرأسمالية؟ أعتقد أن الإجابة هي
لا.
ـ محصلة الكتاب أن
المدينة هي موضع النضال ضد الرأسمالية. ولقد كان من المخاوف التي انتابتني عند
التفكير في هذه المشكلة أن الرأسمالية اليوم تتجاوز الموقع والمدينة. انظر مثلا
إلى حركة "احتلوا وول ستريت": لقد كانوا يتظاهرون في حي منهاتن المالي،
ولكن كثيرا من البنوك الاستثمارية في ميدتاون، والرؤساء التنفيذيين لهذه البنوك
يجوبون العالم شرقا وغربا، ويعيشون في ...
ـ جرينتش، ولونج أيلند ...
ـ بالضبط. وأموالها
خارج البلاد ولها أعمال في كل أنحاء العالم وشبكات توزيع في كل العالم. فلماذا
الظن بأن النضال المديني كفيل فعلا بتغيير الأوضاع؟
ـ حسن، ها أنا الآن أنظر من شباكي إلى
ناطحات السحاب من حولي: أراها ثابتة في أماكنها، لا تسير ولا تنتقل. ويتحرك
بداخلها قدر رهيب من المال ذهابا وإيابا على هيأة إيجارات بالغة الارتفاع. منهاتن
كلها عبارة عن مجتمعات مغلقة من الأثرياء وأصحاب الثروات. في الوقت نفسه هناك
مليون شخصا في نيويورك يحاولون أن يتدبروا أمورهم بدخل فردي يقل عن 10.000 دولار
في العام. الدخل السنوي لنصف سكان نيويورك يقل عن 30.000 دولار سنويا. وعلى الرغم
من ذلك، ترى هذه المجموعة الهائلة من العمارات التي إن شئت أن تعيش فيها فعليك أن
تدفع ما لا يقل عن خمسين ألف دولار للإيجار سنويا. هذا نوع المدينة التي أقمناها،
وفيها نناضل من أجل حياة من نوع منطقي لأغلبية السكان. بوسع رأس المال أن يجوب
العالم ـ وهذا النوع أسميه رأس المال "الفراشة" ـ لكن الفراشات تحط حتما
في مكان ما. فأين تحط؟ حسن، في منهاتن يحط الكثير منها، لتبني هذه المجمعات
الشاسعة وما إلى ذلك. وأعتقد أننا نناضل حيثما تحط الفراشات، فإن حطت في أماكن
أخرى، ففيها يكون النضال.
من الأشياء التي تثيرني كثيرا، ذلك
التزامن بين ما يجري في الشبكات المدينية من أمور. لقد كانت حركة "احتلوا
اوول ستريت" مقتصرة على وول ستريت، لكن حركات مماثلة ظهرت في مئات من مدن
الولايات المتحدة، وبوسعك أن تجد حركات مماثلة في أوربا وفي العالم. فالشبكة المدينية
في واقع الأمر نظام قوي من الإمكانيات السياسية. بعض مما أذهب إليه هو أننا ينبغي
أن نفكر في كيفية استخدام الشبكة المدينية وفي كيفية استخدام القوة السياسية
الكامنة في المدن المتقاربة أو المتداخلة كجزء من نضالنا السياسي كله.
ـ تذكرت، وأنا أقرأ
كتابك، الموقع الإلكتروني الذي تخصصه ذي أطلنطيك للمدن، ما الذي تستخلصه من إطلاق
موقع للمدن في هذا التوقيت؟
ـ أنا لم أقرأ المجلة، لكن شوف: على
مدار الثلاثين عاما الماضية، اكتسبت المناطق المدينية أهمية أكبر بكثير بالنسبة
للتنظيم الرأسمالي. ترى هذا في أوربا وفي الولايات المتحدة. لقد أصبح التنافس بين
المدن جانبا واضحا من جوانب عمل رأس المال. ومن هنا ازدادت أهمية المدن بالنسبة
للطريقة التي تعمل بها الاقتصاديات الكوكبية، ولذلك أصبحت لدينا كل تلك المادة
المتعلقة بالمدن الكوكبية، والتي تتعلق غالبا بمدن رءوس الأموال والإنتاج
الكوكبية. ولذلك أعتقد أن المديني أصبح مستوى سياسيا مثيرا ننظر منه إلى كل شيء.
ـ يركز اللبراليون
الذين يتكلمون عن المدينية urbanism
تركيزا كبيرا على البيئية environmentalism والثقافة. إن المدن تعد بأشكال من
الحياة أكثر حرصا على البيئة، بما أنها تسمح بقدر أعلى من الكثافة وقدر أكفأ من
استخدام الطاقة. هؤلاء اللبراليون يفكرون كثيرا في العمارة الخضراء، والسكك
الحديدية فائقة السرعة، وما إلى ذلك، مثلما يفكرون في المدن بوصفها مراكز لـ
"الثقافة المبدعة". هل يمكنك القول بأنهم مدانون بنوع معين من الفيتشية
المتعلق بالحياة والثقافة الخضراوين؟
ـ إلى حد كبير. ومثلما أحاول أن أوضح في
الكتاب، فإن صناعات الثقافة واقعة إلى حد كبير في حالة البحث عن الاحتكار. ومن
المثير أنها تسمى بـ "الصناعات" في هذه الأيام، فذلك يعني ضمنا أن هناك
تسليعا للثقافة ومحاولة لتلسيع المشتركات الثقافية بل وتسليع التاريخ، وهذه مسألة
مدهشة.
كثير من المواد المتعلقة بالبيئة تدور
حول زراعة الأشجار وتخضير كل شيء. لكنني لم أزل أنتظر إعادة تفكير حقيقي في مسألة
المدينة urbanization ، إعادة تفكير تواجه بصورة حقيقية قضايا الاحتباس الحراري العالمي. هذا إذن
ما تفعله الرؤية اللبرالية، لكن ما لا تلقي اهتماما إليه هو التفاوتات الاجتماعية
الرهيبة القائمة. إن التفاوت الاجتماعي في نيويورك دراماتيكي، بينما التركيز هائل
على من نسميهم بأصحاب الوظائف غير المستقرة غير الآمنة في هذه المدن. فليست
البروليتاريا المدينية هي المنخرطة في إنتاج وإعادة إنتاج الحياة المدينية، ولا
أرى اللبراليين يلاحظون أن هذه تمثل مشكلة أصلا. أعني أن مستويات التفاوت
الاجتماعي في مدينة نيويورك كبيرة، وهي اليوم أكبر بكثير مما كانت عليه قبل ثلاثين
سنة، ولن أندهش بالمرة لو رأيت عصيانا مسلحا مدينيا بسبب هذه المستويات من
التفاوت.
ـ حسن، أنت ترى
نيويورك تايمز تتكلم عن أنه من الصعب جدا على المرء أن يعيش إذا كان دخله السنوي
250.000 دولار [ضحك]
ـ أكثر من نصاف سكان المدينة يحاولون أن
يعيشوا بأقل من 30.000 دولار في السنة
ـ أناس من أمثال
ريتشارد فلوريدا يتكلمون عن الطبقات المبدعة ومدى أهميتها[ii]
للثقافة والاقتصاد في المدينة. من النقاط التي تثيرها في كتابك أن الثقافة المبدعة
في المدينة تتعلق بعدد من الناس أكبر بكثير من أبناء "الطبقات المبدعة".
ـ نعم، نظرية الطبقة المبدعة هي التي
تتشبث بها التنظيمات السياسية في محاولة لإدراج وظائف التنقية العالية. وأتذكر في
هذا المقام أنني كنت في برلين حينما كانت تجري محاولة للاستيلاء على مجال بكامله ـ
وهو نمط حياة مثير للغاية طوره المعماريون وملاك الأرض على مدار السنين ـ إذ وضعوا
هذه اللوافت الضخمة وقد كتبوا عليها "نحن الطبقات المبدعة". لكنهم ليسوا
الناس الذين تريد السلطات في برلين أن تدعمهم.
مشروع فلوريدا يقوم على أساس طبقي
يستهدف نوعا من الجماعة الثقافية في الطبقات الدنيا ممن يحبون أن يجتمعوا ليعزفوا
على الجيتار أو يلعبون بالبرامج الإبداعية الكبيوترية.
ـ هناك كثير من القصص
عن انقلاب الصراع من جوهره المديني الذي نراه منذ سبعينيات القرن الماضي. فهناك
إحياء أو تجديد للمراكز المدينية، وهناك هجرة للفقراء والطبقات العاملة من المراكز
المدينية، وهناك إضفاء لطابع الضاحية على الفقراء وانحدار في نمط حياة الضاحية. هل
هذه النزعة تناقض رؤيتك؟
ـ حسنٌ، بدايةً، الأمر ليس أمر هجرة
يقوم بها الفقراء والطبقات العاملة من المدينة ـ إنما هو طرد. فالإيجارات المرتفعة
وغيرها ترغمهم على الخروج، وكل هذا النوعية من الأمور. وهم الآن يعيشون على
الأطراف.
منهاتن مثال جيد جدا على هذا. فحينما
دخلت مطار كيندي في مطلع هذا الشهر دخلته في السادسة صباحا، واستقللت القطار، وكان
في ذلك الوقت يغص بالسيدات الملونات، كان يبدو عليهن الإنهاك، وكن في طريقهن إلى
المدينة ليوقطنها، أو ليكن في رعاية أبناء الأثرياء أثناء تواجدهم في وول ستريت أو
حيثما يكونون. هؤلاء هم الذين يعيشون على أقل من 30.000 دولار سنويا، وهم الذين
طردوا عمليا من المدينة.
وهذا يعود بي إلى سؤالك: إلى أي مدى يصل
حق السكان في المدينة؟ الإجابة هي: لا حق لهم. وهذا ما ينبغي النضال من أجله:
ينبغي أن يكون لهم قول كبير في كيفية إقامة المدينة وكيفية إعادة إقامتها على نحو
أكثر ملاءمة بالنسبة لهم لا لواحد في المائة من السكان.
ـ في مواضع عديدة من
الكتاب، تعارض الجناح الأناركي من اليسار. فأنت على سبيل المثال تنتقدهم لإفراطهم
في التفكير في البنى التنظيمية الأفقية غير الهراركية. كما أنك تقول إن اليسار
يغيب عنه التماسك السياسي. ما الذي يجعلك تظن أن الماركسية قد توفر سبيلا أفضل إلى
سياسات وتنظيمات متماسكة في اليسار؟
ـ أنا أعمل انطلاقا من قاعدة ماركسية،
ولكني أنحدر من تراث يكن إعجابا لنوعيات من الأناركية الاجتماعية، فتراني أتشهد
كثيرا بأقوال أناس مثل موراي بوكتشين.
ـ وأنت تذهب إلى أن
موراي بوكتشين كان لديه حل أكثر منطقية لمشكلة كيفية تنظيم إصلاح واسع النطاق،
مقارنة بمحدودية البنى الأفقية غير الهيراركية.
ـ من بين الأشياء التي أنتقدها في
اليسار ما أسميه بـ "فيتشية الشكل التنظيمي" وليس الأناركيين وحدهم.
أحزاب الماضي الشيوعية كانت تقوم على نموذج مركزي ديمقراطي لم تتخل عنه مطلقا،
وكانت له مناطق قوته المعينة ومناطق ضعفه المعينة. الآن ترى في الحركة الأناركية
عناصر معينة تؤمن إيمانا مطلقا بالفكرة الأفقية ولن تراها يوما تنظر في أي شيء ذي
طبيعة هيراركية. لذلك أقول "حسن انظروا، أنتم تضعفون أنفسكم بتمسككم بهذا
الشكل بوصفه الشكل التنظيمي الوحيد المتاح".
ومرة أخرى، هناك أناركيون معينون يرون
أنه من المنطقي أن يتم التفاوض مع الدولة أو أن تتم محاولة إصلاح الدولة، وهناك
بين الأناركيين من يقولون إنهم لا علاقة لهم وإنهم لا يريدون أي شيء من اي كيان
يشبه سلطة الدولة ولو من بعيد. وعندي مشكلات مع هذا. وتخوفي قد يقال هكذا "تعالوا
نحاول التفكير في شكل تنظيمي نستطيع من خلاله أن نواجه طبيعة المشكلات التي
أمامنا" والتي من بينها بالمناسبة المشكلة التي تكلمت عنها مسبقا، مشكلة
الطبيعة الكوكبية للصراع. ليس بوسعك أن تتخيل أن تكون هناك ببساطة اشتراكية في
نيويورك وحدها، دون غيرها. علينا أن نبدأ التفكير في العلاقات الدولية وأقسام
العمل الدولية وما شابه ذلك. ومن هنا فإنني أشد اهتماما بالعثور على شكل عملي
للتنظيم، قادر على مجابهة طبيعة المشكلة التي أمامنا، فلا أجد إلا تلك اليقينات
الدوجمائية يرددها الشيوعيون من جانب والأناركيون من جانب بأن "هذا شكل
التنظيم الوحيد المقبول"، فيعترضون بذلك طريق نقاش حول ما قد يكون شكلا
تنظيميا جيدا للحشد السياسي في الوقت الراهن.
ـ هل تعتقد أننا
وصلتا إلى أية نتائج واعدة فيما يتعلق بالشكل التنظيمي، أم أن هذا من النقاشات
التي تحتاج أن تستمر لسنوات؟
ـ أوه، إنه نقاش في بدايته، لكن من
الممكن أن يتطور بسرعة شديدة. فهناك مناطق من العالم يبدو أن الناس فيها عثروا على
وسائل لتنظيم أنفسهم تتسم بالهيراركية والأفقية. وذكرت حالة "إل ألتو"
في بوليفيا التي يبدو أن ذلك قد حدث فيها. هناك حالات أخرى، فقد أعجبني جدا ما رأيته
في الحركة الطلابية التشيلية، فهي ديمقراطية للغاية، وأفقية، ولكنها في الوقت نفسه
تقبل بالحاجة إلى وجود قيادة حسامة. ومع ازدياد وتواتر ظهور هذه النماذج، أعتقد أن
المزيد من الناس سوف يتلاقون على شكل تنظيمي أكثر عملية. أو هذا على الأقل ما
أرجوه. وأعتقد أن ما كنت أحاول القيام به في الكتاب هو الإسهام في هذه العملية من
خلال انتقاد الفيتشية، من خلال ثم الكلام عن أمثلة ناجحة وهي في الوقت نفسه تبدو
أقرب إلى مزيج من الأشكال التنظيمية.
ـ الآن ونحن في
الربيع، يتساءل المشاركون في حركة "احتلوا": إلى أين نذهب من هنا؟ هل
يمكن أن تكون هناك حركة "احتلوا" بدون وجود احتلال فعلي للفضاءات
العامة؟ يبدو أن احتلال الفضاءات العامة شكل من اشكال الاحتجاج ذو تأثير قوي
للغاية، ولقد نجح في مصر وفي غيرها. فلماذا لا يستمر الاحتلال إذن؟
ـ أعتقد أن هناك أشكالا وسطى. من النماذج
التي كنت أتكلم عنها مع بعض الناس قبل أيام نموذج "اتحاد أمّهات بلازا دي
مايو" في الأرجنتين، فبدلا من الاحتلال الدائم، أصبح الاحتلال هناك
يجري مرة في الأسبوع في مكان معين للتظاهر والاحتجاج على ما وقع لأبنائهم وأحفادهم
المختفين. طبعا، لقي هؤلاء معاناة جسيمة على أيدي الشرطة في بعض حالات العنف،
لكنهم ظلوا يتوافدون كل أسبوع. يمكننا أن نفعل شيئا مماثلا، يمكننا الذهاب إلى
حديقة زاكوتي مرة كل أسبوع فنقول "نحن لا نزال هنا". قد يكون ذلك شيئا
مرئيا. في بعض الأسابيع تجد 500 شخص، في بعضها تجد 5000. ولكن الأمر حينما يصبح تقليدا،
بمعني أن نذهب كل أسبوع لنؤكد على أهمية حركتنا السياسية، فسوف تكون هذه خطوة
إيجابية للغاية.
أعتقد أن من بين المشكلات التي نواجهها
في نيويورك هو أن لدينا قدرا كبيرا من الفضاءات العامة التي لا يسمح للناس فيها
بأن يفعلوا ما يريدون. علينا أن نحرر الفضاءات العامة أولا من أجل هذه الأغراض
السياسية المشتركة، وهذا أحد مجالات النضال.
ـ بالنسبة لتغيير
السياسات، هل هناك أي خطوات تعتبرها أنت واعدة؟ فمثلا، يشير بعض المنتقدين من
أمثال لورنس ليسيج إلى المال في السياسة بوصفه مشكلة مركزية. هناك غيره يقولون
إننا بحاجة إلى المزيد من الديمقراطية التشاركية. هل هناك خطوة سياسية تعتقد أنت
أنها قادرة على تحقيق تقدم؟
ـ هناك خطوة سياسية
أعتقد أن علينا أن نتخذها وأن نكون في غاية الوضوح بالنسبة لها. وهذه هي الخطوة
التي كانت مثيرة للإعجاب في الحركة الطلابية التشيلية. لقد أدركوا بوضوح بالغ أن
الموقف الذي هم فيه إنما هو موقف حدده ما جرى في ظل حكم بينوشيه. بينوشيه الآن
ميت، لكنهم لا يزالون يعيشون تركة بينوشيه. فالذي يناضلون ضده هو ما يمكن أن تسميه
بالبينوشزم Pinochetism. في بلدنا نحن، ريجان راح
منذ عهد بعيد، لكن الريجانية تضاعفت على يد الحزب الجمهوري بالذات، وقبلها أيضا
الكثيرون من الديمقراطيين. فما علينا أن نفعله هو أن نلاحق الريجانية. في بريطانيا
تاتشر راحت منذ زمن بعيد، لكن هناك التاتشرية. في مصر مبارك راح، لكن المباركية لا
تزال موجودة. فعلينا أن نتعقب أنظمة السلطة وأنظمة توزيع الثروة التي أتخذت اليوم
طابعا عالميا، وعلينا أن نرى في هذا الأمر نقطة مواجهة بالغة الجدية والخطورة.
وكما قال "وارن بوفيه" حينما سئل عما إذا كان هناك صراع طبقي، قال
"مؤكد، هناك صراع طبقي. طبقتي، طبقة الأثرياء، هي الطبقة التي تخوض هذا
الصراع، ونحقق الانتصارات". مهمتنا فيما أرى أن نقلب الآية "ألا نجعل
طبقته تنتصر". ولكي نفعل ذلك علينا أن نتخلص تماما من الطريقة النيولبرالية
الحاكمة لرأسماليتنا المعاصرة.
نشر في جريدة عمان بتاريخ 3 مايو 2012
[i] الحق في المدينة
"، بحسب ويكبديا، شعار أطلقه الفرنسي "هنري ليفبفير" في كتاب صدر
له سنة 1968 ـ لاحظوا السنة ـ بعنوان " Le Droit à la ville ". وتنقل الموسوعة
الإلكترونية مقتطفا من مقال كتبه ديفيد هارفي في العدد الخامس والخمسين من مجلة "نيو
ليفت رفيو" يقول فيه إن "الحق في المدينة أبعد ما يكون عن حرية الفرد في
استعمال الموارد المدينية: إنما هو الحق في تغيير أنفسنا من خلال تغيير المدينة.
هو بالأحرى حق مشترك لا فردي نظرا لأن هذا التحول يقوم حتما على ممارسة جمعية
للسلطة بهدف إعادة تشكيل عملية التمدين. أريد أن أذهب إلى أن الحق في إقامة المدن
وإعادة إقامتها هو أحد أهم حقوقنا
الإنسانية وأكثرها عرضة للتجاهل".
[ii] الطبقة المبدعة هي طبقة اجتماعية اقتصادية
يعرفها ريتشارد فلوريدا، أستاذ الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بأنها القوة الدافعة
الرئيسية للتطور الاقتصادي في المدن ما بعد الصناعية في الولايات المتحدة. يرى
فلوريدا أن هذه الطبقة المبدعة تتألف من
40 مليون عاملا في الولايات المتحدة ـ وهذا يمثل 30% من العمال الأمريكيين ،
ويقسّم الطبقة إلى قسمين كبيرين. القسم الأول هو "الجوهر عالي
الإبداعية" ويضم حوالي 12% من الوظائف الأمريكية، ويشمل (على سبيل المثال:
العلوم والهندسة والبرمجة والتعليم والبحث، والفن، والإعلام). وظيفة هذه الطبقة في
نظر فلوريدا هي الإبداع والابتكار وحل المشكلات. أما القسم الثاني فهو
"المهنيون المبدعون" ويضم هذا القسم العمال الذين تقوم مهنهم على
معارفهم ومنهم من يعملون في مجالات الرعاية الصحية والتجارة والتمويل، والقطاع
القانوني. وهؤلاء يستخدمون "كيانات
معرفية معقدة في حل مشكلات محددة". ـ ويكبديا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق