رئيس تحرير وول ستريت جورنال:
الصحافة ليست مهنة تحتضر
حوار: إيزابل هولسن
في حوار مع دير شبيجل الألمانية تحدث
"جيرارد بيكر" رئيس تحرير "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن
موجة دخول كبار الأثرياء بقوة إلى عالم الصحافة وعن ما طرأ من تطور على صحيفته هو
بعد سبع سنوات من انتقال ملكيتها إلى روبرت مردوخ.
***
ـ مستر بيكر، عندك خمس بنات صغيرات، هل يمكن
أن تنصحهن بدخول الصحافة اليوم؟
ـ نعم أنصحهن بهذا. إذ ما من مهن كثيرة فيها
ما في الصحافة من جاذبية. الصحافة لها مستقبل كبير وقيمة هائلة للمجتمع.
ـ التوزيع والعائد الإعلاني في تراجع منذ
سنوات، وبالذات في الولايات المتحدة. الظاهر أن البليونيرات وحدهم هم المهتمون
بالصحافة في هذه الأيام: فـ جيف بيزوس مالك أمازون اشترى واشنطن بوست، والمستثمر
جون هنري انتزع بوسطن جلوب، ووارن بوفيت
يشتري الصحف الإقليمية بالجملة.
ـ وهذه الاستثمارات تبين أن الصحافة ليست
مهنة تحتضر. فهؤلاء يرون بوضوح أن هناك قيمة للخبر وأن المستقبل سوف يكون رقميا.
ما من صحيفة سوف تجتاز التحول من الطباعة إلى الإنترنت وهي بشكلها التقليدي، وهناك
صحف لن تجتاز هذا التحول أصلا. هذا ليس معناه أن الصحافة نفسها ينتظرها مستقبل
مظلم. بالعكس: فلم يكن ثمة زمن بلغ فيه الاحتياج إلى معلومات أدق أكثر من زمننا
هذا. ورائد في عالم الإنترنت مثل "جيف بيزوس" يكون محقا تماما حينما
يتصور أن في هذا المجال فرصة لتحقيق الأرباح.
ـ هل أنت واثق أن بارونات الصحافة الجدد
هؤلاء لا يبحثون عن انتصارات وأمجاد فقط، يزدادون بها نفوذا، أو يحسنون بها
صورتهم؟
ـ لا أعرف دوافع بيزوس أو بوفيت، بالطبع.
لكنني أستمع إليهما وأصدق ما يقولان، وهما يقولان إنهما يفعلان ذلك لا بحثا عن
الزهو ولا طلبا لأية أغراض غير مالية.
ـ كيف يختلف هؤلاء الملاك الجدد للصحافة عن
روبرت مردوخ الذي اشترى وول ستريت جورنال قبل سبع سنوات من عائلة بانكروفت؟
ـ هذا سؤال بسيط: روبرت مردوخ يستثمر بكثافة
في الصحافة منذ أكثر من ستين سنة، لا سنة واحدة، وعنده سجل نجاحات ثابت في المجال.
فالتزامه تجاه المهنة مستمر.
ـ لقد باع في العام الماضي 33 صحيفة إقليمية وقال إنها لم
تعد تتسق مع استراتيجية الشركة. إلى أي مدى ستظل وول ستريت جورنال متسقة مع
استراتيجية شركة نيوز كورب؟ خاصة وأن مردوخ انفصل بالفعل عن نشاط التليفزيون
والسينما الأكثر نجاحا.
ـ مردوخ نفسه قال
مرارا وعلنا إن لـ داو جونز ووول ستريت جورنال مركزية مطلقة بالنسبة للشركة. بل
إنني أقول إننا العمود الفقري لهذه الشركة التي يبلغ رأسمالها 9 بليون دولار،
بواقع حجمنا والمدى العالمي الذي نصل إليه.
ـ كيف غيّر روبرت
مردوخ في وول ستريت جورنال؟
ـ صرنا صحيفة أفضل.
صار مدانا أكبر، وأضفنا تغطية للسياسة والرياضة والتسلية والموضة والثقافة. أضفنا
أقساما جديدة، ومجلة، مع الحفاظ على نقطة قوتنا الجوهرية وهي التغطية الاقتصادية
والمالية. قاعدة المشتركين لدينا تتزايد. في الوقت نفسه أصبحنا أكثر تركيزا على
الخبر، وأسرع في نشره، جعلنا مواضيعنا أكثر حيوية وأيسر على القارئ. قلّ لدينا
كثيرا للغاية عدد المواضيع المطولة التي كانت سمة مميزة لوول ستريت جورنال.
ـ يقول المنتقدون
إن هذا من بين الأسباب التي خولت لوول ستريت جورنال الحصول على جائزتي بولتزر منذ
أن اشتراها مردوخ
ـ أنا لا أقيس نجال
الصحيفة بعدد جوائز بولتزر. فهذا لا يقول أي شيء عن جودة الصحافة التي نقدمها.
ـ بفضل جيف بيزوس
أصبحت لواشنطن بوست موارد استثمارية أكبر. هل يثير هذا توترك؟
ـ لا، فمن الخير
لنا أن يظهر رواد العصر الرقمي الناجحون من أمثل جيف بيزوس هذا الإيمان بالصحافة.
ربما يقنع هذا بعض الأشخاص في عالم الاستثمار ممن صرفوا أنظارهم عن الصحافة بأن
هناك أسبابا وجيهة للرجوع إلى الاستثمار فيها. يجب أن نحمد هذا لبيزوس. وحتى إذا
بدت المقولة أقرب إلى الكليشيه لكنني سأقولها: المنافسة مطلوبة دائما، فهي التي تبقينا
وقوفا على أطراف أصابعنا، وهي التي تجعل محررينا أكثر طموحا.
ـ الإصدارات
الإلكترونية مثل بيزينس إنسايدر، وبوليتيكو، وذي إنترسبت ـ التي أطلقها أخيرا موقع
إي باي والبليونير بيير أوميديار ـ تقدم جميعها أخبارا حصرية وتجعل مهمتكم صعبة في
الحفاظ على المكانة التي كانت وول ستريت جورنال في الماضي بوصفها الجريدة التي لا
غنى عن قراءتها.
ـ بعض هذه المواقع
يقدم بعض الأخبار الجيدة، ولكنني حتى الآن لم أجد في هذه المواقع مستوى الصحافة
الذي يمكنك الحصول عليه كل يوم، وكل دقيقة، من وول ستريت جورنال. بعضهم لديه زوار كثيرون،
ولكن نحن لدينا مليونا شخص يدفعون لكي تتسنى لهم قراءة وول ستريت جورنال مطبوعة أو
إلكترونية كل يوم. وهذه هي نوعية الجمهور التي تثير اهتمام المعلنين بحق.
ـ صحف الولايات
المتحدة فقدت أكثر من خمسين في المائة من عائدها الإعلاني في السنوات الست
الأخيرة. أصبح المعلنون أكثر احتراسا. والنزعة الإعلانية الحديثة هي ما يعرف بـ
"الإعلان الساذج" .. وهي الإعلانات التي تشبه المقالات الصحفية. وأنت
قلت قبل ستة أشهر إن هذه أشبه بمعاهدة فاوستية، ولكن وول ستريت جورنال تقدم الآن
لمعلنيها هذه الخدمة بالذات. ما الذي يجعلك تدخل المعاهدة؟
ـ ما قلته هو أن
هناك مخاطرة: أن يفضي البحث عن العائد الإعلاني إلى الخلط بين الإعلان والصحافة.
فلو حدث هذا الخلط لفقدنا مصداقيتنا وقراءنا.
ـ ولكن
"الإعلان الساذج" بحالته الراهنة قائم على هذا الخلط. ألا تخشى أن يكون
ذلك مزلقا؟
ـ لا، ما دام القارئ
لا ينتابه أي شك بين ما هو إعلاني وما هو معلومات مقدمة من وول ستريت جورنال. وهذا
بالضبط ما يحدد طريقة تعاملنا مع الأمر ولا أعتقد أن بوسع أحد الزعم بأننا نخلط
بين الإعلان والصحافة أو نموه الخط الفاصل بينهما.
ـ تصدرت لوس آنجلس
تايمز العناوين أخيرا بأول إنسان آلي يكتب مقالة قصيرة عن زلزال. في رأيك ما الفرص
السانحة للكتابة الروبوتية في الصحافة؟
ـ هناك علماء
يتنبؤون بزمن يزداد فيه الذكاء الاصطناعي ذكاء عن الذكاء البشري. هذه فكرة فاتنة.
الذكاء الاصطناعي يتقدم بوتيرة تجعل كل شيء ممكنا، وبالطبع يمكن نقل المعلومات
الأساسية والبيانات الروتينية بصورة روبوتية. لكنني لا أعتقد أننا سوف نشهد في
المستقبل القريب إمكانية الاستغناء عن التقدير البشري والمعرفة البشرية في
الصحافة.
نشر الحوار في دير شبيجل ونشرت ترجمته اليوم في جريدة عمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق