ونادرا ما يترفع شباب المستجدين عن هذا الدور. فكثيرا ما
يدهشني الروائيون الشباب، أو الروائيون لأول مرة، وهم يسارعون بلا شفقة في فصل
أنفسهم عن مجتمع الطامحين المحبَطين. بعد سنين من الخوف من النسيان، يشعر الروائي
المنشور له الآن بأن النجاح كان محتوما، وأنه في أعمق أعماق وعيه كان يعرف دائما أنه من النخبة (وذلك ما قاله لي مرة "في إس
نايبول" بكثير من الإسهاب وبقناعة يحسد عليها). في غضون أسابيع قليلة سوف
تظهر رسالة على الموقع الإلكتروني الخاص بالكاتب الجديد الطازج تحذر الكتاب
الناشئين من إرسال مخطوطاتهم. هؤلاء يعيشون الآن في بُعد آخر. والوقت ثمين. ولا بد
من كتاب آخر، إذا لا معنى لأن تؤسس لنفسك سمعة ثم لا تقوم بتغذيتها واستغلالها. والآن وقد تيقن الكاتب من حرفته، بات
عليه التشبث فيها. وعما قريب سوف يكون على وجه التحديد ما يريد له الجمهور أن يكون
إياه: شخصا مفارقا، منتجا شيء خاص، أدب، فنانا.
ويبقى السؤال: لماذا يكن الناس كل هذا الاحترام للكتاب، حتى
وهم لا يقرأون؟ ما الذي يجعلهم يتوافدون على المهرجانات الأدبية بينما مبيعات
الكتب تتهاوى؟ ربما السب ببساطة هو أن الاحترام والإعجاب من جملة المشاعر الجذابة التي
نحب أن نشعر بها، لكن في عالم لاأدري قوامه فردية لا تعرف الرحمة تزداد كل يوم
صعوبة العثور على من يمكن الانحناء لهم دونما شعور من المنحني بنزر من السخافة. لم
يعد الساسة والعسكريون ملائمين لهذا الدور. والرياضيون بالغو الخفة، وأعمارهم في
الملاعب بالغة القصر. وبهذا المعنى يكون من دواعي ارتياح القارئ وحتى غير القارئ
أن يكون ثمة بطل أدبي، موهوب نبيل، بل وربما قديم العهد بالمعاناة، شخص لا يبدو في
المقام الرئيسي مهموما بأن يكون أنجح منا. "أليس مونرو" بحكاياتها
المائلة إلى الحزن، التي لا نهاية لها، عن العاجزين عن تحقيق أهدافهم، تلائم هذا
الدور تماما. واستكشافها لهذا الإحساس بالفشل الذي يشعر به الكثيرون للغاية في
عالمنا التنافسي، هو الذي خول لها الفوز بأضخم الجوائز الأدبية على الإطلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق