جون
بيرنسايد: وهبت الشعر والجنون
جون بيرنسايد |
ـ ما الذي
يجعلك تكتب الشعر، ومتى بدأت؟
ـ بدأت
كتابة الشعر متأخرا بعض الشيء، أعني أنني تأخرت في السعي الجدي الى الكتابة. ومع
ذلك يبدو لي أن وقتا طويلا قد مضى.
ما يجعلني
أكتب هو إيقاع العالم من حولي، إيقاعات اللغة بالطبع، وإيقاعات الأرض أيضا،
والريح، والسماء، والحيوات الأخرى، . قبل الكلمات تأتي الإيقاعات ـ يبدو لي هذا جزءا
من الجوهر.
ـ هل تقوم
غالبا بتنقيح أعمالك ـ وهل تنتقل من الكتابة باليد إلى الطباعة؟
ـ منهجي
فرداني بعض الشيء، على الأقل في حدود ثقافتنا الشعرية (في أوربا). أنا أكتب، أو
ربما الأجدر بي القول إنني أؤلف، في رأسي، أو "على الشفاه" بتعبير
ماندلستام. تقام القصيدة في ذهني وتبقى
هناك، وتبقى هناك كأنما في مسجل، إلى أن تنتهي القصيدة، أو المقطوعة ـ إن كانت
جزءا من قصيدة أكبر ـ ثم أدونها. أستطيع الاحتفاظ بكثير من الأبيات في رأسي لوقت
لا بأس به، لكنني بمجرد أن أدونها، تنمحي من المسجلة، وتعود المسجلة نقية مثلما
كانت، ويكون عليّ أن أعمل على الورق. أفكر في الأمر كما لو كان اشتغالا على معدن:
طالما السطور في رأسي، تكون دافئة وطيعة، عند تدوينها، يكون الاشتغال عليها أصعب،
كالمعدن المشغول عند غمسه في حوض التبريد. لا يحدث الكثير للقصيدة بعد وصولها إلى
الورق، وبرغم أنني أطبع القصائد في وقت لاحق، إلا أنني نادرا ما أغير فيها شيئا في
هذه المرحلة.
ـ هل الشعر
شيء لا يمكن أن يقدره حق تقديره إلا أولئك الذين يفهمون التفعيلات؟
ـ بالطبع
لا. وقد أغامر فأقول إن من الشعراء من يضيع عليهم بعض الشعر الرائع لمجرد أنهم يتقيدون
بنظام قواعدي هو في نهاية الأمر نتاج ثقافة معينة.
ـ ما الدور
الذي يلعبه المحرر في عملك؟
ـ محرري،
روبين روبرتسن، هو واحد من أفضل شعرائنا، ولذلك فأنا أصغي إليه حينما يوجه لي
نصيحة. أما وقد قلت هذا، أضيف أن الأمر لا يتعلق إلا بما إذا كان لقصيدة معينة أن
تبقى في الكتاب. قد يقترح هو حذف قصيدة بالكامل، على أساس أنها لا تتسق مع بقية
القصائد، ولكنه لا يقوم مثلا بتغييرات في أبيات، وذلك بسبب طريقتي أنا في الكتابة.
ـ من الأشياء
التي كتبها عنك صحفيون كثيرون أنك أكدت [في
كتاب "الاستيقاظ في تويتاون"] أنك رأيت الشيطان مرة في قاع طبق مكرونة.
كيف تؤثر التجارب القديمة على عملك، أو على طريقة رؤيتك للعالم؟
ـ لم تكن
مرة، بل مرات، وليس الشيطان وحده، بل جميع أنواع الصور التي كانت تبدو لي في تلك
اللحظات حقيقية. كنت أتردد على المستشفى وعلى اتباع نظم العلاج لفترة، وكان ذلك
وضعا مثيرا وغريبا، ثم شخصت حالتي في نهاية المطاف بأنني مصاب بالـ أبوفينيا apophenia ـ وذلك نوع من النزوع المتطرف إلى
إيجاد أنماط جميلة في بعض الأحيان مرعبة في بعض الأحيان وإلى إيجاد صور في ظواهر
بادية العشوائية. كما أنني كنت في مرحلة من حياتي أعاني من هلاوس سمعية صاخبة،
وإنني أعتمد في الكتابة على هذا التاريخ ـ الذي قد يكون شديد الفعالية أو كارثيا
جنونيا في بعض الأحيان. أعتقد أنه ضروري الكلام عن هذا النوع من التجارب.
على امتداد
حياتي، وخاصة مع ازديادي في السن
والاتزان، أصبحت أكثر اقتناعا بأن المشروع النافع الوحيد الذي نكون محملين
به جميعا، أن المغامرة الوحيدة التي تقدمها لنا الحياة، هي أن نتعلم كيف نفض غلاف
رؤية العالم الزائفة الممنوحة لنا، فنصبح أكثر برية وأصدق مع أنفسنا ومع العالم
كما هو في واقع الأمر، وليس كما يبدو بفعل آبائنا ومعلمينا وقادتنا الذين نختارهم
بأنفسنا. نرده مثلما كان عالما لا حكم فيه لأحد. في ضوء هذا، تكون حالتي العقلية ـ
التي كانت لوقت طويل، والتي لا تزال في بعض الأحيان، واقعة على تخوم ما يسميه المجتمع
بالجنون ـ هبة وهبت لي. هبة غريبة بعض الشيء ما في ذلك شك، لكن لا شك أنها علمتني
كيف أرفض نوعا معينا من التنازلات.
مقتطفات من
حوار في الإيكونومست نشرت ترجمتها صباح اليوم الثالث عشر من نوفمبر 2012 في ملحق شرفات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق