الهدية
ستيف جليمارتن
سمعت زوجها يتنحنح، ثم يرفع رأسه. رأته يقدم
لها شيئا على طرف الشوكة، قائلا إن "هذه هدية". وتصورت هي أنه يريد
أإشراكها في طعامه فقالت "لا. متشكرة".
أضاء زوجها نور مصباح صغير كان موضوعا
على الأرض حتى أمسك به موجها دائرة النور لتحيط بالشيء قائلا "لا! أنها هدية
حقيقية".
انتزعت الشيء من الشوكة وحاولت أن تنظر
إلى زوجها فكان وجهه مختفيا في الظلام من وراء وهج المصباح الصغير القوي. كانت
فروع الشوكة الأربعة مقوسة باتجاهها كأنها جسم كائن من كائنات أعماق البحار وقد
استيقظ للتو. نظرت إلى الشيء في يدها، كان مثقَّبا، ذلك أقصى وصف يمكن أن تقوله في
حقه.
انتظرت عسى أن يحدث نوع من الانكشاف
الداخلي، ولكن الشيء ظل يعاند محاولتها للنفاذ عبر سطحه. وبدلا من ذلك أخذ يبدو لها
كل حين وكأنه مجرد حامل أربعة ثقوب صغيرة أحدثتها فيه الشوكة. أي أن الشيء تدنى حتى
أصبح مجرد لا شيء لا تميزه إلا آثار علاقته بالثاقب. أخذت تقترب من الثقوب فتتسع وتتسع ووجدت نفسها تتبع
منحنياتها ومعالمها وكأنها عالمة. ربما كانت الغاية من تلك الهدية أن تتحول عيناها
إلى ميكروسكوب.
قال الزوج "أنت في غاية الهدوء.
فيم تفكرين؟"
قالت "إنه مذهل"
قال "لعلك بحاجة إلى دراسته على
مهل".
عادت فقالت "مذهل. يعجبني وفعلا
تعجبني الثقوب".
قال "أنا الذي عملتها".
قالت "أعرف" ودارت عينيها
"ذلك الضوء ..."
فورا انطفأ المصباح ولكن زوجها بقي على
صمته. ظنت أنها استشعرت صوت تنفس من نوع غريب، صوت زفير حاد ومنتظم يستمر ما بين
خمس ثوان وعشر ثم ينتهي بغتة. بدا كما لو أن آلة تتنفس. وعبرت في رأسها عبارة تقول
"في أيام الزواج الأولى". هزت نفسها كما لو كانت دائخة، وقالت "أنت
موجود؟"
قال "وأين أكون؟"
لم ترد، فقد كان في صوتها شيء ما
يشتتها. بدا كما لو أن صوتها البشري قد باتت تشوبه رنة غير بشرية، كما لو أن
الكلمات تنبعث من مركز الشيء في رأسها، كما لو أن الكلمات تخرج من ثقوبه الأربعة
الصغيرة. تحسست بإبهامها الثقوب وقلبت الشيء بحيث تستقر ثقوبه على راحة يدها. قالت
دونما تفكير إن "الشيء يذكرني ببطاطا مشوية. أهي صالحة للأكل؟" قالتها لمجرد
أن تختبر الفرضية الجديدة المتعلقة بصوتها. جاء الصوت واضحا لا يعوقه عائق. لم
تستشعر في الثقوب تدفقه ولا ذبذباته.
قال زوجها "الشيء؟"
"هديتك لي".
"ليس مقصودا منه أن يطهى. كما قلت
لك، أنا صنعته بنفسي". سمعته وهو يقوم من مقعده "وبذلك المعنى يكون
مطهوا بالفعل".
كان قد بدأ يسرع. من يدري أية هدايا
أخرى قد يكون الآن يعدها لها ذهنيا، خاصة وأن رد فعلها تجاه الهدية المقدمة حتى
الآن لم يكن برد الفعل المناسب. فاجأت نفسها وهي ناقمة على المسار التي تتخذه
أفكارها.
بدأت تقذف الشيء برقة في الهواء،
لارتفاع لا يزيد عن بوصة أو اثنتين، وتلتقطه من جديد، تاركة إياه يضرب راحة يدها.
توقف زوجها عن المشي وتنهد، وسمعته يعود مرة أخرى إلى مقعده.
قالت "ربما لا أكون قادرة على فهم
هديتك وأنت تراقبني هكذا. أنت قلت هذا بنفسك"
قال "بالتأكيد" ثم قال
"أنا لم أستخدم من الخامات إلا أكثرها مرونة، وقدرة على البقاء".
قالت "أضئ المصباح العلوي. أريد أن أراه في
النور".
ذهب إلى الخزانة فأخذ معطفه وارتداه ثم
توجه إلى الباب فأضاء المصباح؟
قالت "لا تذهب". ووضعت الشيء
على الأرض غير قادرة أن تنظر إليه.
"لماذا؟ لا يمكن أن تكوني خائفة،
أم خائفة؟"
"نعم، لا أريد أن أبقى وحدي معه.
أنا لا أفهم ما الذي ينبغي أن يفعله، باستثناء أن يخيفني".
قال "غريب هو، أليس كذلك؟"
تناولته وألقت به إليه. تلقاه في جيب
معطفه. "وخذ الشوكة أيضا". فجاء وأخذ الشوكة من على المائدة.
قال وهو خارج بصورة مفاجئة "يحتاج
التعود عليه إلى وقت".
استندت برأسها إلى المنضدة وقد شعرت في
صدرها وفمها بطاقة منعشة تتدفق فيهما. ساد صمت قصير أعقبه من أحد الجدران دق
متواصل حاد. لا بد أنهم آل شارنوف، هؤلاء الذين يتشاجرون بأعلى صوت على أي شيء.
كاتب أمريكي
نشرت صباح اليوم السادس عشر من نوفمبر 2012 في ملحق مرايا الذي يصدر مع جريدة عمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق