في الأسبوع الماضي، أوشك العنف في سوريا أن يعبر الحدود،
ويتطور إلى صراع إقليمي. صحيفة "دير شبيجل" الألمانية أجرت هذا الحوار
مع وزير الخارجية الإيراني "علي أكبر صالحي" حول دعم بلده المتواصل
للطاغية السوري
بشار الأسد، وعن دور الناتو في المنطقة، وبرنامج إيران النووي
صالحي: الأسد ليس خطرا على الشرق الأوسط
يقع مقر قنصل إيران العام بفرانكفورت في فيلا صفراء في حي ساخسنهاوزن
الأنيق، يحيط بها سور، وتمتد على أرضيات قاعاتها وممراتها السجاجيد الفارسية. على
المنضدة في غرفة الاستقبال آنية المكسرات والتين، والجدران مزينة بصور زعيم الثورة
الإيرانية الراحل آبة الله روح الله الخميني وخلفه على خامنئي.
على مدار ساعات قليلة يوم الخميس الرابع من أكتوبر الجاري،
كانت هذه الفيلا مقرا لوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي البالغ من العمر
ثلاثة وستين عاما والذي توقف في فرانكفورت في طريق عودته من نيويورك إلى طهران.
كان صالحي قد شهد للتو اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة والتقى بنظرائه وزراء
خارجية مصر وتركيا والسعودية للحديث عن التصعيد في الشرق الأوسط، وهذه هي الدول
الأربعة التي تتكون منها ما يعرف بـ رباعية سوريا الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية
الدائرة رحاها هناك. يعد صالحي من بين قلة من كبار المسئولين الإيراينيين الذين
يألفون كلا من الشرق والغرب. درس في الجامعة الأمريكية في بيروت وحصل على
الدكتوراه في الهندسة من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا سنة 1977. وفي عام 2009 أصبح
رئيسا للبرنامج النووي الإيراني. وهو الآن الممثل الخارجي للرئيس الإيراني محمود
أحمد نجاد.
قبل يوم واحد من إجراء هذا الحوار، كانت القوات السورية قد
أطلقت قذائف على بلدة حدودية تركية، مما أسفر عن مقتل خمسة، وفي يوم الجمعة التالي
للحوار، وقع قصف ثان.
***
ـ السيد وزير الخارجية، بدأ يبدو كما لو أن حربا في سبيلها إلى
الاندلاع على حدود الناتو مع سوريا. ما مدى خطورة الوضع في المنطقة؟
ـ بسم الله الرحمن الرحيم، علينا أن نمنع وقوع الكوارث. وإنني
أدعو كلا الجانبين إلى التحلي بضبط النفس. في سوريا، هناك آلاف يقاتلون حكومة بشار
الأسد، وهم مسلحون بأحدث أنواع الأسلحة. ولو أن تركيا أرادت أن تثأر بصورة هائلة
في وقت ما من الأسابيع أو الشهور القادمة، فلن يجدوا اعتراضات. هم يريدون أن تصبح
مبادرات السلام مستحيلة. هم يريدون التصعيد.
ـ هل تتكلم عن المعارضة السورية المسلحة؟ أم عن الإرهابيين من
شبكة القاعدة الدولية؟
ـ أنا لا أريد أن أربط منفذي أعمال العنف بدولة معينة أو منظمة
محددة. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: القوات الأجنبية التي تتسلل إلى سوريا تسعى إلى
تدويل الصراع. ولو اضطرمت النار في المنطقة، سيكونون قد حققوا هدفهم.
ـ لكن الظاهر هو أن الجيش السوري هو الذي أطلق النار عبر
الحدود، وليس الثوار أو منفذي أعمال العنف الذين تتكلم عنهم. هل تدين هجمات تركيا الثأرية؟
ـ لكل دولة الحق في حماية نفسها عند تعرضها للهجوم. ومع ذلك،
عندما أسقط السوريون طائرة مقاتلة تركية في يونيو أحجم الأتراك عن الرد بهجوم
مضاد. وفي ذلك الوقت، أعربت عن تقديري ذلك لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ـ
كان موقفا حكيما يليق برجل دولة. والآن لا بد من اتخاذ موقف يناسب ما حدث، وإلا
فسوف نسقط في شرك المتطرفين.
ـ بما أن تركيا عضو في الناتو، فإن المنظمة تقف في صفها في
إدانة الواقعة معتبرة إياها "عدوانا".
ـ لن يكون ملائما أن أوجه نصيحة للتحالف العسكري الغربي. ولكن
الناتو لا يحتمل ارتكاب خطأ يزيد الوضع سوءا.
ـ مثل إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا أو فرض حظر للطيران على
قوات الأسد الجوية؟
ـ بتصرف من هذا النوع، سيكون رد فعل الغرب بمثل ما كان عليه من
خطأ في ليبيا 2011. لقد كان ذلك تدخلا غير لائق في الشئون الداخلية لدولة ذات
سيادة ...
ـ ... لكن ذلك قد يكون حال دون وقوع مذبحة في بنغازي وساعد
شعبا بأكمله على التحرر من طاغية.
ـ علينا أن نمضي قدما بحسب قواعد القانون الدولي. سوريا في
أزمة، أربعة محافظات أو خمسة من محافظاتها الأربع عشرة تواجه صعوبات. حكومة بشار الأسد
تسيطر إلى حد كبير على الوضع.
ـ أنت تهون من
أفعال النظام الذي يقوم بقصف شعبه، لقد أدت الحرب الأهلية إلى إزهاق أرواح ثلاث
مائة ألف شخص.
ـ ما يجري في سوريا مأساوي، وليست القوات الحكومية هي الوحيدة
المسئولة. الأسد لا يمثل خطرا على المنطقة، أو على السلام العالمي. نحن لا نمتنع
عن انتقاد الأسد، لقد ارتكبت الحكومة أخطاء. لقد كان الأمر في الأصل مجرد مطالبات
بالمزيد من الديمقراطية والتغيير. ثم بدأت الحركة تخضع لسيطرة متزايدة من الخارج.
ـ هل تقصد الولايات المتحدة وإسرائيل؟ أم قطر والسعودية اللتين
تقومان بتسليح المقاومة وتدعوان الآن إلى قوة تدخل عربية؟
ـ مهما يكن الأمر، نحن نتعامل مع دفع خارجي من أجل تغيير
النظام. وتجاربنا في العراق تبين لنا أن بعض القوى مستعدة إلى اللجوء إلى أية
وسائل أو مناورات. فلقد عمدت الولايات المتحدة ـ من أجل إسباغ الشرعية على حربها
ضد بغداد ـ إلى اتهام صدام حسين بإنتاج أسلحة دمار شامل. ولا يمكن السماح بشيء
مماثل مع الأسد.
ـ لا يكاد يوجد من كبار الساسة في العالم من لا يزال يستطيع
الوصول إلى الأسد. أنت تكلمت مع الرئيس الأسد في دمشق قبل أسبوعين، وكان نقاشا
طويلا ومكثفا.
ـ كنت قادما للتو من اجتماع لمجموعة سوريا في القاهرة، وعرضت
على الرئيس ما نتوقعه منه نحن الأربعة: إصلاحات، وتنازلات وتغييرات مخلصة. وقد
وافقني على ما قلته وقال إنه بدأ بالفعل في إجراء هذه التغييرات. قال إنه يريد أن
يعمل مع المعارضة البناءة ويتعاون مع الأمم المتحدة.
ـ وأنت تصدقه؟
ـ لقد التقيت في دمشق برئيس واع كل الوعي بحساسية الوضع. بدا
لي قويا واثقا في نفسه، يبث الثقة في مقدرته على الانتصار عسكريا في الصراع الدائر
في سوريا.
ـ كل يوم يشهد هجمات جديدة. المعارضة قادرة الآن على مهاجمة
مؤسسات حيوية مثل تليفزيون الدولة ومقرات المخابرات. مدينة حلب مشتعلة، وهي
المدينة التجارية والمالية الكبرى.
ـ الرئيس يتسم بالواقعية. وهو لا يعتقد أن السلام قد يحل على
سوريا بين عشية وضحاها. وهو يفترض أنه سوف تبقى هناك ـ كما في العراق ـ مواقع
مضطربة وجيوب للمقاومة.
ـ باستثناء إيران، وربما روسيا والصين، كل حكومات العالم
تقريبا تشجع الأسد على الاستقالة.
ـ لقد بدا الرئيس منفتحا على أي حل سوري داخلي، لكنه يرفض
بالمطلق أي استقالة يكون مرغما عليها من الخارج. وهو لهذا السبب يرفض السعي إلى
اللجوء إلى أي مكان.
ـ الرئيس المصري محمد مرسي يطالب طهران بإعادة التفكير في
موقفها. ولكن حكومتكم مستمرة ـ بحسب تقارير لأجهزة مخابرات غربية ـ في إرسال
السلاح إلى دمشق، مستمرة في دعم النظام بالمستشارين العسكريين بل وبالصفوة من قوات
الحرس الثوري.
ـ هذا عبث. سوريا لديها جيش من نصف مليون مقاتل، وهم ليسوا
بحاجة إلى أية قوات منا. لكننا قمنا طبعا ببيع أسلحة لدمشق .. قبل الأزمة. وطبيعي
تماما فيما نرى أن نرسل مستشارين عسكريين في هذا السياق، وكل حكومة في العالم ترسل
مثل هذه النوعية من الخبراء إلى الحكومات المتحالفة معها. فالعقوبات الدولية
المفروضة على إيران أرغمتنا على أن نبني صناعتنا الدفاعية الخاصة، والتي حققت
نجاحا كبيرا في بيع منتجاتها. وهناك في هذا الصدد صفقات لا تشوب شرعيتها شائبة.
ونحن لا نقوم بذلك بصورة تختلف من أية ناحية عن الألمان.
ـ أين في رأيك يقع الخط الأحمر الذي لا ينبغي السماح للأسد بأن
يتجاوزه؟ هل يتمثل في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المعارضة؟
ـ كل حكومة تستخدم أسلحة الدمار الشمال ضد شعبها تكون فقدت
شرعيتها. هذا ينطبق على سوريا، وينطبق علينا ايضا.
ـ هناك قوة خارجية أخرى وضعت خطا أحمر أمام حكومتك. ففي حديثه
أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتانياهو رسما يوضح الموعد الذي سوف تمتلك فيه إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب
اللازم لصنع سلاح نووي، واستخدم هذا في القول بضرورة مهاجمت بلدكم.
ـ لقد كان عرضا غريبا، بدا لي شيئا طفوليا أن يمسك برسم
كاريكاتوري لقنبلة. لو كان الإسرائيليون يريدون أن يهاجومنا، ولو كانوا يقدرون على
ذلك، لفعلوه منذ وقت بعيد. لقد دمروا في عام 1981 المفاعل العراقي بدون إنذار. أما
نحن فهم يهدوننا منذ سنين، وعلنا، وفي كل مناسبة. وهم يعلمون ما سيحدث إن هم
هاجمونا. نحن لا نريد الحرب، لكننا سوف ندافع عن أنفسنا. وسيدفع المعتدون الثمن
غاليا.
ـ الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها صفحات من الأدلة التي
تشير إلى "بعد عسكري محتمل" لبرنامجكم النووي.
ـ نحن مصرون على حقنا في تخصيب اليورانيوم للاستخدام في مجال
الطاقة النووية السلمية. ولا وجود لدليل على أننا نجري أبحاثا نووية لأغراض
عسكرية.
ـ شهور مضت وأنتم ترفضون السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية
بالوصول إلى المجمع العسكري في بارتشين.
ـ علينا أن نفرق هنا بين أمرين: أولا أن لدينا التزامات تجاه
معاهدة حظر الانتشار النووي التي نخضع لها ...
ـ ... كما تقولون ...
ـ ثانيا، أن هناك مطالبات تتجاوز هذه [المعاهدة]، ولسنا مضطرين
إلى قبولها، ومن ذلك المطالبات المتعلقة بمجمع بارتشين.
ـ يشك المفتشون في أن العلماء هناك قد قاموا سرا باختبار رءوس
نووية، وأن إيران الآن تحاول محو كل أثر لها.
ـ هذا سخف. البحوث النووية تترك بصمات لا يمكن محوها إطلاقا.
ولا أريد أن استبعد احتمال أن نجد سبيلا إلى فتح بارتشين ـ طوعا، مثلما فعلنا في
حالات أخرى من قبل.
ـ ينتظر منكم الآن، وبشدة، أن تقدموا تنازلات في المحادثات النووية.
ولم يبق ثمة الكثير من التفاؤل بين الدبلوماسيين باحتمال أن يتم إنهاء الصراع على
برنامجكم النووي بصورة سلمية.
ـ أنا في هذا الصدد متفائل. فلو تم الاعتراف بحقنا في التخصيب،
سنكون مستعدين لتقديم المقابل. سنقوم طوعا بتحديد مدى برنامجنا التخصيبي، ولكننا في
المقابل سوف نحتاج إلى ضمان بإمدادنا من الخارج بالوقود اللازم.
ـ يعتقد كثير من الساسة الغربيين أنكم تضيعون الوقت لا أكثر.
وبعد أربع جولات من العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة، يعتزم الاتحاد الأوربي
الآن تغليظ عقوباته المفروضة على إيران في الخامس عشر من أكتوبر.
ـ ليس مهما. العقوبات مزعجة طبعا. ولكننا نعيش منذ ثلاثين عاما
في ظل مقاطعة جعلتنا في نهاية المطاف أقوياء ومستقلين.
ـ فعلا؟ في العام الماضي فقط، فقدت عملتكم ثلثي قيمتها أمام
الدولار. معدل التضخم الرسمي 25 في المائة. وفي طهران يتظاهر تجار التجزئة الساخطون
ويهتفون "فلتسقط الحكومة".
ـ المجتمع الإيراني معتاد على الحياة في ظل المصاعب، ربما هو
أقدر عليها من شعوب أسبانيا واليونان. ويمكننا أن نعتمد على صبر شعبنا. فماذا عنكم
أنتم في أوربا؟
أجرى الحوار إيرتش فولاذ ودييتر بدنارتس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق