حوار: جوناثان ديربيشير ـ نيوستيتسمان
ـ كتابك الجديد "ولدت هناك، ولدت هنا" يتناول تجربة الرجوع إلى فلسطين من مقامك الحالي في القاهرة. كيف ترى المنفى؟
ـ الحروب الطويلة، والدكتاتوريات الطويلة، والاحتلالت الطويلة، تجعل منك ابنا للجغرافيا، بالتفكير فيها، بتذكرها، بعلاماتها التي تتركها على قلبك وعقلك وذاكرتك.
في المنفى، تعيش في اليوم الواحد أكثر من حياة: الحياة الواقعية في المنفى، وحياة طفولتك التي تتذكرها وبصحبتها جغرافيا ضائعة محرمة.
ـ هل تشعر بالغربة حينما ترجع إلى فلسطين؟
ـ نعم. استعادة الماضي أمر مؤلم، محاولة عيشه من جديد. وما من أحد يرجع الرجوع الكامل، وما من شيء يمكن استرداده بشكل كامل، لأن ما يحلم به المرء ليس الأماكن والحجارة، ولا الشوارع والبنايات. ما تصبو إليه هو اللحظة، الوقت الذي قضيته في تلك الأماكن. والزمن غير قابل للاسترداد. لا يستطيع المرء أن يسترد طفولته.
كنت أتنقل بالسيارة في القرية التي نشأت فيها فأرى الناس يمشون ويسألني صاحبي "أتعرف هذا الرجل؟" فأقول "نعم، طبعا أعرفه". وأكون كاذبا، ويكون السبب في كذبي هو خجلي من أن أقول "لا أعرفه". وظللت أكذب، حتى لحظة قلت له فيها "شوف، أنا لا أعرف أحدا هنا، أنا لا أعرف بيت من هذا".
كل شيء بهتت ألوانه وغامت صورته، وبت بالفعل أوثر أن أكذب لأؤكد إحساسي بالانتماء إلى المكان، ولكني لم أستطع ذلك. فقلت للرجل في نهاية الماطف "انا غريب هنا".
عندما ترجع إلى الضفة الغربية تكون تحت سيطرة الإسرائيليين
ـ نعم. إسرائيل تسيطر الآن على حدود فلسطين الست، الأرض والبحر، الشمال والجنوب، الشرق والغرب. لا يمكن لأحد أن يدخل فلسطين بغير ختم إسرائيلي.
هذا هو معنى الاحتلال، أن تعجز عن القيام بأي شيء كيف تشاء. أن يتحتم عليك فعل أي شيء كيف تشاء إسرائيل.
ـ هل يعني هذا أن السلطة الفلسطينية وهم لا أكثر؟
السلطة الفلسطينية كيان سياسي نشأ بعد اتفاقيات أوسلو سنة 1993، ورأى أن السبيل الوحيد لتحقيق أي نتيجة مع الإسرائيليين هي أن يتحلى الفلسطينيون بالأدب. ولكن بعد 19 عاما، وصل هذا إلى طريق مسدود. فعملية السلام ـ حسب ما يسمونها ـ لم تأت لنا بالسلام.
ـ ما الدو رالذي يجدر بالكتاب القيام به في مقاومة الاحتلال؟
ـ لا أرتاح إلى لوافت من قبيل "شعر المقاومة"، فهي تمهد الطريق لأي شخص قادر على الصياح في وجه النظام. والجماليات في الفن هي العامل المحدِّد. كل قصيدة جميلة إضافة، وكل شعر رديء نقصان.
ـ لعل الجمال هو المقاومة في أعظم أشكالها؟
ـ نعم، لأننا محاطون بالقبح والظلم والقهر والاحتلال والنفي والتشريد. ولا يمكن لأحد أن يمارس أي شكل من أشكال الفن دون أن يكون الجمال أولويته. العدالة والجمال هما لب أي إسهام فني في العالم.
ـ شاهدت الربيع العربي عن قرب. في رأيك، هل الإسرائيليون يخشون القوة الشعبية في الشرق الأوسط؟
ـ نعم. الإسرائيليون الآن عندهم ألف سبب لإعادة النظر وإعادة تقييم الوسادة التاريخية التي يتكئون عليها ويريحون إليها رءوسهم منذ عقود. لقد كانوا على يقين من أن الولايات المتحدة قائمة على رعايتهم وضمان تفوقهم العسكري على جيرانهم.
كما أنهم كانوا معتمدين على الأنظمة الدكتاتورية التي تواطأت مع مختلف الحكومات الإسرائيلية وسكتت عنها. الآن، هذا يتغير. أعتقد أن إسرائيل تخاف الشباب المصريين أكثر مما خشيت الجيوش واللاجئين.
ـ لو أصبح الشرق الأوسط ممتلئا بالديمقراطيات الرشيدة، فسوف تختفي فكرة "الخطر الوجودي" على إسرائيل، أليس كذلك؟
ـ الخطر الوجودي من الأساس فبركة إسرائيلية. الخطر الوجودي الحق هو الذي يتعرض له الفلسطينيون، الحياة الفلسطينية، والتاريخ الفلسطيني، والجغرافيا الفلسطينية، والهوية الفلسطينية هي المهددة وجوديا.
ـ ما الذي تعمل عليه الآن؟
ـ أعمل على كتاب شعري جديد ولكنني أعمل ببطء شديد. فأنا كلما بدأت قصيدة جديدة، وجدت نفسي أفعل ذلك بروح المبتدئ.
نشر في جريدة عمان الأحد 5 فبراير 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق